فصل: أمر النيل في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وتوفي القاضي بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن علي البدر أبو عبد الله القرشي القلقشندي الشافعي أمين الحكم بالقاهرة في يوم الاثنين رابع عشرين المحرم وكان مولده أيضًا في أول المحرم من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وكانت لديه فضيلة وعنده مشاركة‏.‏

وتوفي القاضي تقي الدين محمد بن زكي الدين عبد الواحد بن عماد الدين محمد ابن قاضي القضاة علم الدين أحمد الإخنائي المالكي أحد نواب الحكم بالقاهرة وهو بمكة في ثالث ذي الحجه عن ثلاث وستين سنة‏.‏

وكان من بيت فضل وعلم ورئاسة‏.‏

 أمر النيل في هذه السنة

‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع‏.‏

مبلغ الزياذة عشرون ذراعًا سواء‏.‏

وهي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة‏.‏

فيها توفي أمير الملأ عذراء بن علي بن نعير بن حيار بن مهنا مقتولًا في المحرم‏.‏

وتوفي الأمير الفقيه سيف الدين بكتمر بن عبد الله السعدي أحد أمراء الطبلخانات بالدديار المصرية في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الأول بسكنه بدار أستاذه القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب بخط قنطرة طقزدمر ولم يخلف بعده في أبناء جنسه مثله بل ولا في غير أبناء جنسه لما اشتمل عليه من المحاسن‏:‏ كان فاضلًا دينًا شجاعًا بارعًا في فنون الفروسية انتهت إليه الرئاسة في حمل المقيرة ورمي النشاب في زمانه هذا مع البشاشة والكرم وحسن الشكل والتواضع وحسن المحاضرة وجودة المشاركة في كل علم وفن مع الفصاحة في اللغة التركية والعربية والدين المتين والعفة عن المنكرات والفروج ولا أعرف من يدانيه في محاسنه فكيف يشابهه وكان طوالًا جسيمًا ضخمًا ذا قوة مفرطة مليح الشكل واللحية مدورة بادية الشيب‏.‏

قبض مرة بأكتاف شخص من أعيان الخاصكية المشاهير بالقوة وهزه وأفلته ثم قال له‏:‏ ما بقي فيك شيء يا فلان فلم ينطق ذلك الرجل بكلمة وذهب خجلًا لكثرة دعاويه فقلت لبكتمر‏:‏ ‏"‏ هذا الذي أنت فيه من كثرة الإدمان فقال‏:‏ منذ بلغت الحلم وأنا متزوج غير أنني لا أهمل نفسي فقلت له‏:‏ هذه منح إلهية‏.‏

ولما مات أنعم السلطان بطبلخانته على الأمير قجقار جغتاي السيفي بكتمر جلق‏.‏

ومات بكتمر السعدي هذا وسنه نحو خسين سنة تخميًا وكان رومي الجنس رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الأشرفي الدوادار الثاني وعظيم دولة أستاذه الأشرف برسباي في يوم الخميس سابع عشرين شهر ربيع الأول وسنه خو خمسة وعشرين سنة تخمينًا ودفن بمدرسته التي أنشأها بخط القربيين خارج باب زويلة على الشارع ثم نقل منها بعد مدة إلى تربة أستاذه بالصحراء وحضر السلطان غسله ثم الصلاة عليه وكان أشيع عنه أن نفسه تحدثه بالملك فعاجلته النية‏.‏

وكان أصله من مماليك الملك الأشرف برسباي اشتراه صغيرًا في أيام إمرته وقاسى معه خطوب الدهر أيام حبسه بقلعة المرقب وغيرها ولما تسلطن الملك الأشرف عرف له ذلك مع محبته له فرقاه وأنعم عليه بإمرة عشرة وجعله خازندارًا ثم أرسله بتقاليد الأمراء نواب الشأم‏:‏ تنبك البجاسي وغيره ثم أنعم عليه بعد حضوره بإمرة طبلخاناة وخلع عليه بالدوادارية الثانية عوضًا عن الأمير قرقماس الشعباني الناصري بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف فعظم في الدولة ونالته السعادة حتى تزايد أمره وخرج عن الحد من كثرة إنعامه وإظهار الجميل والأخذ بالخواطر حتى ركن إليه غالب أعيان الدولة من الخاصكية وكثر تردد الناس إليه وصار أكابر الدولة مثل عبد الباسط وغيره تتردد أيضًا إلى خدمته إذا سمح لهم بذلك وله عليهم الفضل وصار أمره في نمو وزيادة وقصده الناس من الأقطار لقضاء حوائجهم‏.‏

وبينما هو في ذلك وقد اشتغل الناس به وأشير إليه بالأصابع وقد مرض ولزم الفراش مدة ونزل السلطان إلى عيادته مرة ثم رسم بطلوعه إلى القلعة فحمل إليها وتولى السلطان تمريضه فأفاق قليلًا وترعرع فأنزل إلى داره‏.‏

وكان سكنه بالدار التي في سوق القبو الحسيني وللدار باب من حدرة البقر وهي الآن سكن الأمير يشبك الفقيه المؤيدي وعند نزوله إليها عاوده المرض ونزل إليه ثانيًا فوجده كما قيل‏:‏ السريع لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت يرثي له الشامت مما به ياويح من يرثي له الشامت وبعد طلوعه مات في تلك الليلة فنزل السلطان إلى داره وحضر غسله كما تقدم والصلاة عليه‏.‏

وكان أميرًا شابًا حلو الشكالة للقور أقرب أخضر اللون مليح الوجه صغير اللحية مدورها فصيحًا ذكيًا حاذقًا متحركًا متجملًا في مركبه وملبسه وسماطه إلى الغاية يكتب كتابة ضعيفة ويقرأ إلا أنه كان عاريًا من العلوم لم يسبق له اشتغال بعلم وما كان دأبه إلا فيما هو فيه من الأمر والنهي وتنفيذ الأمور واتهم السلطان بموته والله أعلم بحاله‏.‏

وتوفي الشيخ المعتقد الصالح سعيد المغربي نزيل جامع الأزهر به في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ربيع الأول بعد أن جاور بجامع الأزهر عدة سنين‏.‏

وكان للناس فيه اعتقاد كبير وله كرامات ويقصد للزيارة والتبرك بدعائه‏.‏

زرته غير مرة ومات وقد علا سنه وطال مرضه‏.‏

وترك نحو الألفي دينار ما بين ذهب وفضة وفلوس‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أزدمربن عبد الله من علي جان الظاهري المعروف بأزدمر شايا في سادس شهر ربيع الآخر‏.‏

وهو أحد أمراء حلب بعد أن تنقل في عدة إمريات بالشأم ومصر وصار أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر ثم أخرج إلى نيابة ملطية ثم نقل إلى إمرة بحلب إلى أن مات بها‏.‏

وقد تقدم التعريف بحاله عند إخراجه من مصر في ترجمة الملك الأشرف ومات وسنه نيف على خمسين سنة‏.‏

وكان من سيئات الدهر‏:‏ لم يشهر بدين ولا كرم ولا شجاعة ولا معرفة ولا عقل مع كبر وجبروت وظلم وسوء خلق‏.‏

وكان قصيرًا نحيفًا أصفر دميمًا حقيرًا في الأعين وعد إخراجه من مصر من محاسن الملك الأشرف‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كمشبغا بن عبد الله الجمالي الظاهري أحد أمراء الطبلخانات بطالًا في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى وقد علا سنه وكان من أكابر المماليك الظاهرية برقوق وممن تأمر في أيام أستاذه‏.‏

وكان تركي الجنس عاقلًا فقيهًا دينًا خيرًا عفيفًا عن المنكرات والفروج وطالت أيامه في الإمرة وتولى نيابة قلعة الجبل في الدولة الناصرية فرج واستمر من جملة أمراء الطبلخانات في صدر من الدولة الأشرفية برسباي إلى أن أخرج الملك الأشرف إقطاعه فلزم داره على أحسن وجه إلى أن مات وهو في عشر الثمانين‏.‏

وتوفي الأمير الكبير سيف الدين يشبك بن عبد الله الساقي الظاهري الأعرج أتابك العساكر بالديار المصرية في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن أعيان خاصكيته وصار ساقيًا في أيام أستاذه الظاهر‏.‏

ثم ثار على الملك الناصر في أيام تلك الفتن ووقع له أمور وحروب انصاب في بعضها بجرح أصابه بطل منه شقته وصار يعرج منه عرجًا فاحشًا ثم عوفي وانتمى للأمير نوروز الحاقظي إلى أن ولاه نيابة قلعة حلب إلى أن أمسكه الملك المؤيد شيخ وحبسه بعد قتل نورز ثم نفاه إلى مكة بطالًا سنين عديدة إلى أن استقدمه الملك الظاهر ططر إلى القاهرة‏.‏

ومات ططر قبل أن ينعم عليه بإمرة فأنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن قرمش الأعور دفعة واحدة‏.‏

ثم صار أمير سلاح ثم ولي أتابكية العساكر بعد الأمير قجق العيساوي فاستمر على ذلك إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

وكان من رجال الدهر عقلًا وحزمًا ودهاء ومعرفة وتدبيرًا مع مشاركة جيدة في الفقه والقراءات ومعرفة تامة بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب كالرمح والنشاب وغيره‏.‏

وكان يكتب المنسوب ويحفظ القرآن‏.‏

وكانت نفسه تحدثه بأمور فإنه كان يكثر من ذكر أخبار تيمورلنك وشدة بأسه لكونه كان أعرج وقد صار أمره إلى ما صار‏.‏

وهو الذي حسن للملك الأشرف الاستيلاء على بندر جدة والقبض على حسن بن عجلان‏.‏

ولو عاش لحسن له أخذ اليمن كله‏.‏

وتولى الأتابكية بعده الأمير جارقطفو الظاهري‏.‏

وتوفي بدرالدين حسن كاتب سر دمشق وناظر جيشها بها في يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الآخرة وكان أصله من سمرة دمشق‏.‏

وخدم عند الأمير بكتمر جلق نائب دمشق ثم ترقى إلى أن جمع له بين كتابة سر دمشق ونظر جيشها بسفارة الأمير أزبك المحمدي الدوادار الكبير كون أزبك كان متزوجًا ببنت زوجته‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم المفنن شمس الدين محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوي الشافعي أحد فقهاء الشافعية ومدرس المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف في يوم الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة وقد أناف على ستين سنة بعدما أفتى واشتغل عدة سنين‏.‏

وتوفي القاضي بر الدين حسن بن أحمد بن محمد البرديني الشافعي أحد نواب القضاة الشافعية في يوم الاثنين خامس عشرين شهر رجب وقد أناف على الثمانين سنة‏.‏

وكان قاضي سوء لم أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا سواء‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة‏.‏

فيها توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري الشافعي أحد فقهاء الشافعية في ليلة الأحد حادي عشر شهر ربيع الأول وقد أناف على التسعين سنة‏.‏

وكان بارعًا في الفقه وأصوله والعربية والحساب مشاركًا في عدة فنون‏.‏

وخطب ودرس وأفتى وأقرأ عدة سنين بدمياط والقاهرة‏.‏

وتوفي القاضي نور الدين علي الصفطي وكيل بيت المال وناظر الكسوة في ليلة الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة‏.‏

وكان يباشر الشهادة بديوان العلائي آقبغا التمرازي أمير مجلس وعند أستاذه تمراز من قبله‏.‏

وتوفي الشريف عجلان بن نمير بن منصور بن جماز بن منصور بن جماز بن حماد بن شيحة‏.‏

بن هاشم بن قاسم بن مهنأ بن حسين بن مهنأ بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقتولًا في ذي الحجة بعدما ولي إمارة المدينة النبوية غير مرة‏.‏

وتوفي الأديب نور الدين علي بن عبد الله الشهير بابن عامرية في يوم الخميس سادس عشر شهر ربيع الآخر بمدينة النحريرية بالغربية من أعمال القاهرة‏.‏

وكان شاعرًا أديبًا مكثرًا وأكثر شعره في المدائح النبوية‏.‏

وتوفي الواعظ المذكر شهاب الدين أحمد بن عمر بن عبد الله المعروف بالشاب التائب بدمشق في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب عن نحو سبعين سنة وكانت لديه فضيلة ورحل إلى البلاد وصحب المشايخ ونظم الشعر على قاعدة الصوفية وحصل له قبول تام من الناس‏.‏

وتوفي العبد الصالح شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد الصوفي بعدما عمي بسنين في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم ومولده في سنة تسع وأربعين‏.‏

قال المقريزي‏:‏ وهو أحد من صحبته من أهل العبادة والنسك‏.‏

ورأس مدة واتصل بالملك الظاهر برقوق وولي نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة وجال في الأقطار ورحل إلى بغداد والحجاز واليمن والهند رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير شمس الدين محمد بن سعيد المعروف بسويدان أحد أئمة السلطان في يوم الاثنين سابع صفر وكان أبوه عبدًا أسود سكن القرافة وولد له ابنه هذا‏.‏

وحفظ القرآن الكريم وقرأ مع الأجواق فأعجب الملك الظاهر برقوق صوته فجعله أحد أئمته واستمر على ذلك إلى دولة الملك الناصر فرج فولاه حسبة القاهرة ثم عزله بعد مدة فعاد كما كان أولًا يقرأ في الأجواق عند الناس ويأخذ الأجرة على ذلك‏.‏

وصار رئيس جوقة واستقرأته أنا كثيرًا‏.‏

وكان أسود اللون طوالًا‏.‏

وتوفي الشيخ المعتقد محمد بن عبد الله بن حسن بن المواز في يوم الأحد حادي عشر ربيع الأول‏.‏

وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطنوفي الشافعي في ليلة الاثنين سادس عشرين شهر ربيع الأول وقد قارب الثمانين‏.‏

وبرع في الفقه والفرائض وغير ذلك ودرس عدة سنين وانتفع به جماعة كبيرة من الطلبة‏.‏

وتوفي القاضي بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر الدمشقي النابلسي كاتب السر الشريف بالديار المصرية بها في ليلة الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين سنة وكان من بيت رئاسة‏.‏

ولي أبوه كتابة سر دمشق وباشر بدر الدين هذا كتاب الإنشاء بدمشق واتصل بخدمة الأمير شيخ المحمودي نائب دمشق‏.‏

فلما قدم شيخ إلى مصر بعد قتل الملك الناظر فرج قدم ابن مزهر هذا معه مع من قدم من الشاميين‏.‏

ولما تسلطن شيخ ولاه نظر الإسطبل السلطاني فدام على ذلك سنين‏.‏

ثم ناب عن القاضي كمال الدين محمد بن البارزي في كتابة السر وقام بأعباء الديوان في أيام علم الدين داؤد بن الكويز ومن بعده إلى أن خلع عليه السلطان الملك الأشرف برسباي باستقراره كاتب السر الشريف بالديار المصرية فباشر الوظيفة بحرمة وافرة وأثرى وكثر ماله إلى أن مات في التاريخ المذكور‏.‏

قال‏:‏ وخلف مالًا كثيرًا لطمع كان فيه وشح‏.‏

وتوفي الشريف خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني أمير المدينة مقتولًا أيضًا في حرب في ذي الحجة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وسبعة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وستة عشرأصبعًا‏.‏

السنة التاسعة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة‏.‏

فيها كان الطاعون العظيم الذي لم ندرك بمثله بمصر وقراها بل وبغالب البلاد الشامية حسبما ذكرناه في ترجمة الملك الأشرف هذا في وقته‏.‏

وكان هذا الطاعون أعظم من هذه الطواعين كلها وأفظعها ولم يقع بالقاهرة ومصر بعد الطاعون العام الذي كان سنة تسع وأربعين وسبعمائة نظير هذا الطاعون وخالف هذا الطاعون الطواعين الماضية في أمور كثيرة منها أنه وقع في الشتاء وارتفع في فصل الربيع وكانت الطواعين تقع في فصل الربيع وترتفع في أوائل الصيف وأشياء غير ذلك ذكرناها في محلها‏.‏

وفيها توفي القاضي شرف الدين أبو الطيب محمد ابن القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله الغزي الأصل المصري في ليلة الأربعاء سابع عشر ربيع الأول ودفن بالصحراء ومات بغير الطاعون ومولده في ليلة السبت حادي عشرين ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة واشتغل يسيرًا وخدم الأمير ططر موقعًا عدة سنين فلما تسلطن رشحه لنظر الجيش فلم يتم له ذلك وولي نظر الكسوة ونظر أوقاف الأشراف ثم نظر دار الضرب إلى أن مات‏.‏

وكان شابًا كريمًا وفيه محبة لأهل العلم والفضل والصلاح إلا أنه كان فيه حدة مزاج وبادرة مع تدين وتحشم‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أزبك بن عبد الله المحمدي الظاهري برقوق الدوادار الكبير بالقدس بطالًا في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر ربيع الأول وهو أحد المماليك الظاهرية برقوق وترقى إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق ثم قبض عليه الملك المؤيد شيخ بعد واقعة نوروز وحبسه سنين إلى أن أطلقه في أواخر دولته وأنعم عليه بإقطاع هين بدمشق أمير عشرة‏.‏

فلما أن صار الأمر إلى الأمير ططر أنعم عليه بإمرة طبلخاناة بديار مصر ثم صار أمير مائة ومقدم ألف ثم رأس نوبة النوب بعد الأمير قصروه من تمراز في أوائل الدولة الأشرفية ثم نقل إلى الدوادارية الكبرى بعد سودون من عبد الرحمن لما نقل إلى نيابة دمشق بعد عصيان تنبك البجاسي فدام في الدوادارية إلى أن اشيع عنه أنه يريد الوثوب على السلطان ولم يكن لذلك صحة فأخرجه السلطان إلى القدس بطالًا ومسفره الأمير قراخجا الحسني رأس نوبة فدام بالقدس إلى أن مات‏.‏

وكان أميرًا ضخمًا عاقلًا حشمًا مهابًا دينًا عفيفًا عن المنكرات والفروج خليقًا للإمارة وهو أحد من تولى تربيتي رحمه الله تعالى‏.‏

ولقد كان به تجمل في الزمان وأهله‏.‏

وتوفي القاضي كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم ناظر الخاص الشريف في ليلة الجمعة العشرين من شهر ربيع الأول بغير طاعون ودفن بالقرافة وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني وتولى ابنه القاضي سعد الدين إبراهيم وظيفة نظر الخاص من بعده وقد تطاول أعناق بني نصر الله وغيرهم إلى الوظيفة فلم يلتفت السلطان إلى أحد وولاها لسعد الدين المذكور‏.‏

وكان القاضي كريم الدين المذكوررئيسًا حشمًا متواضعًا كريمًا بشوشًا هينًا لينًا ساكتًا عاقلًا‏.‏

باشر في ابتداء أمره استيفاء الدولة ثم نظر الدولة وغيرهما من خدم أعيان الأمراء آخرهم الملك الأشرف برسباي إلى أن طلبه السلطان الملك الأشرف وولاه نظر الخاص الشريف بعد عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله عنها واستقراره أستادارًا في يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وكان ذلك آخر عهد بني نصر الله بهذه الوظيفة‏.‏

واستقر في نظر الدولة من بعده أمين الدين إبراهيم بن الهيصم‏.‏

وباشر القاضي كريم الدين الوظيفة بحرمة وافرة ونالته السعادة وعظم في الدولة وأثرى ومشى حال الخاص في أيامه حتى قيل إنه منذ ولي الخاص إلى أن توفي لم يبطل الواصل عنه يومًا واحدًا مبالغة في إقبال سعده وتيامن الناس بولايته ومات من غير نكبة رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كمشبغا بن عبد الله الفيسي المزوق الظاهري منفيًا بدمشق في رابع عشر شهر ربيع الآخر وقد ناهز الستين سنة من العمرة وأصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ورقاه الملك الناصر فرج إلى أن جعله أمير آخور كبيرًا مدة يسيرة ثم عزله الملك الناصر أيضًا ثم وقع له أمور وانحط قدره في دولة الملك الأشرف برسباي وتولى كشف البر وساءت سيرته من كثرة ظلمه وقلة دينه مع الإسراف على نفسه وفي الجملة فمستراح منه ومن مساوئه‏.‏

وتوفي السيد الشريف علي بن عنان بن مغامس بن رميثة‏.‏

تقدم أن اسم رميثة منجد بن أبي نمي وقد ذكرنا بقية نسبه في ترجمة الشريف حسن بن عجلان وغيره فلينظر هناك‏.‏

وكانت وفاته بقلعة الجبل في يوم الأحد ثالث جمادى الآخرة بالطاعون‏.‏

وكانت لديه فضيلة ويذاكر بالشعر وغيره‏.‏

وتوفي الأمير الكبير سيف الدين بيبغا بن عبد الله المظفري وهو أمير جلس في ليلة الأربعاء سادس جمادى الآخرة بالطاعون‏.‏

وهو أحد أعيان المماليك الظاهرية برقوق وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وصار من يوم ذاك ينتقل في الإمرة والحبوس شامًا ومصرًا وإسكندرية فكان حاله أشبه بقول القائل‏:‏ المتقارب ويوم سمين ويوم هزيل ويوم أمر من الحنظله وليل أبيت جليس الملوك وليل أبيت على مزبله إلى أن خلع عليه الأشرف برسباي باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد الأمير طرباي فأقام على ذلك نحو ثلاث سنين أو دونها وقبض عليه الملك الأشرف وحبسه أيضًا بالإسكندرية وذلك لبادرة كانت فيه ومخاشنة في كلامه مع الملوك مع سلامة الباطن ولذلك كان كثيرًا ما يحبس ثم يفرج عنه‏.‏

وقد تقدم التعريف بحاله عندما أمسكه الملك الأشرف في أصل ترجمة الأشرف مستوفاة فدام بيبغا المذكور في السجن مدة طويلة ثم أطلقه السلطان أوسيره إلى دمياط بطالًا ثم نقله إلى القدس فلم تطل مدته وطلبه السلطان وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف وخلع عليه باستقراره أمير مجلس‏.‏

ولما ولي إمرة مجلس صار يقعد على ميسرة السلطان فوق أمير سلاح مراعاة لما سبق له من الرئاسة من الأتابكية وغيرها وكون أمير سلاح كان الأمير إينال الجكمي أحد السيفية ينظره في عينه أنه مملوك بعضر خجداشيته‏.‏

وكان بيبغا أميرًا جليلًا شجاعًا مهابًا مقدامًا مع كرم وسلامة باطن وفحش في خطابه من غير سفه على عادة جنس الأتراك‏.‏

ومع هذا كله كان فيه دعابة حلوة يحتمل بها فحش خطابه وانحرافه‏.‏

وهو أعظم من رأيناه من الملوك في أبناء جنسه رحمه الله‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بردبك السيفي يشبك بن أزدمر المعروف بالأمير آخور وهو أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة بالطاعون وهو في الكهولية‏.‏

وكان خدم بعد موت أستاذه يشبك بن أزدمر عند الأمير ططر وصار أمير آخوره فلما تسلطن ولاه الأمير آخورية الثانية بإمرة طبلخانة دفعة واحدة ودام على ذلك سنين إلى أن نقله الملك الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية فدام على ذلك إلى أن مات‏.‏

وكان شابًا أشقر مليح الشكل حلو الوجه معتدل القامة عاقلًا حشمًا ساكتًا كريمًا متواضعًا وقورًا قل أن ترى العيون مثله‏.‏

وهو والد صاحبنا الزيني فرج بن بردبك أحد الحجاب بالديار المصرية‏.‏

وتوفي المقام الناصري محمد ابن السلطان الملك الأشرف برسباي صاحب الترجمة في يوم الثلاثاء سادس عشرين جمادى الأولى بالطاعون وقد ناهز الاحتلام ودفن بمدرسة والده الأشرفية بخط العنبريين من القاهرة‏.‏

وأمه خوند فاطمة من أولاد تجار القرم وكانت قبل الملك الأشرف تحت أستاذه الأمير دقماق المحمدي‏.‏

وكان المقام الناصري المذكور من أحسن الناس شكلًا تظهر فيه مخايل النجابة والسكون والعقل‏.‏

وتوفي المقام الناصري محمد ابن السلطان الملك الناصر فرج ابن السلطان الملك الظاهر برقوق ابن الأمير أنص الجاركسي بسجن الإسكندرية في يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة بالطاعون وله من العمر إحدى وعشرون سنة‏.‏

وأمه أم ولد مولدة تسمى عاقولة‏.‏

ودفن بالإسكندرية ثم نقل منها إلى تربة جده بالصحراء فيما أظن‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة فريد عصره ووحيد دهره نظام الدين يحيى ابن العلامة سيف الدين يوسف بن محمد بن عيسى السيرامي الحنفي شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقوقية في جمادى الآخرة بالطاعون‏.‏

وتولى مشيخة الظاهرية من بعده ولده عضد الدين عبد الرحمن أخذها عن أبيه وكان أبوه أخذها عن أبيه أيضًا‏.‏

وكان الشيخ نظام الدين إمامًا مفننًا بارعًا في المعقول والمنقول عارفًا بالمنطوق والمفهوم مشاركًا في فنون كثيرة وأفتى ودرس وأشغل سنين عديدة إلى أن مات‏.‏

وتوفي السلطان الملك الصالح محمد ابن السلطان الملك الظاهر ططر والسلطان الملك المظفر أحمد ابن السلطان الملك المؤيد شيخ والخليفة المستعين بالله العباسي‏:‏ الثلاثة بالطاعون كلاهما في إسكندرية والصالح بقلعة الجبل‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمتهم غير أننا ذكرناهم هنا في جملة من مات بالطاعون ولهذا لم يحرر يوم وفاتهم لأنه تقدم انتهى‏.‏

وتوفي الأمير الطواشي زين الدين مرجان الهندي المسلمي خازندار الملك المؤيد شيخ بالطاعون في سادس جمادى الآخرة‏.‏

وكان أصله من خدام التاجر ابن مسلم المصري ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ أيام إمرته واختص به فلما تسلطن جعله خازندارا ثم أمره بالتكلم في وظيفة نظر الخاص عوضًا عن الصاحب بدر الدين حسن بن نور الله فتكلم عليها أيامًا‏.‏

ومات المؤيد وأعيد ابن نور الله ثم ولاه الأمير ططر زمامًا بعد أن قبض عليه بدمشق ثم أطلقه فدام في وظيفة الزمامية إلى أن عزله الملك الأشرف برسباي ونكبه وصادره فتخومل ولزم داره إلى أن وتوفي الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغني ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج بعدما عزل عن الأستادارية في يوم الأربعاء سابع جماى الآخرة بالطاعون ودفن على أبيه بمدرسته ببين السورين خارج القاهرة‏.‏

وكان شابًا جميلًا عاقلًا ساكنًا قليل الشر بالنسبة إلى أبائه وأقاربه كثير الشر بالنسبة إلى غيرهم‏.‏

باشر الأستادارية بقلة حرمة وعدم التفات أهل الدولة إليه وقاسى في مباشرته خطوب الدهر ألوانًا من العجز والقل وبيع موجوده وأملاكه إلى أن أعفي فلم تطل أيامه ومات‏.‏

وتوفي السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن علاء الدين علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني الدمشقي كاتب السر الشريف بالديار المصرية في ليلة الخميس ثامن جمادى الآخرة بالطاعون‏.‏

ومولده في شوال سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق وبها نشأ‏.‏

وتولى عدة وظائف بدمشق مثل كتابة السر وقضاء الشافعية ونظر الجيش ثم طلب إلى مصر وولي كتابة سرها فلم تطل أيامه ومات‏.‏

وتولى أخوه الشريف عماد الدين أبو بكر كتابة السر من بعده فركب إلى القلعة ثم مرض من يومه قبل أن يلبس خلعة كتابة السر ومات بالطاعون أيضًا في ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رجب ولم يبلغ الأربعين سنة‏.‏

وكان أحسن سيرة من أخيه شهاب الدين صاحب الترجمة‏.‏

وتوفي السيد الشريف سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسن بن قتادة بن إدريس ومن هنا يعرف نسبه من نسب حسن بن عجلان ومات في أواخر جمادى الآخرة بالطاعون‏.‏

وتوفي الأمير الطواشي افتخار الدين ياقوت بن عبد الله الأرغوني شاوي الحبشي مقدم المماليك السلطانية بالطاعون في يوم الاثنين ثاني شهر رجب ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء‏.‏

وتولى عوضه التقدمة نائبه خشقدم اليشبكي الرومي وتولى نيابة المقدم الطواشي فيروز الركني الرومي الجمدار‏.‏

وأصل ياقوت هذا من خدام الأمير أرغون شاه أمير مجلس الظاهر برقوق تنقل في الخدم إلى أن صار مقدم المماليك السلطانية‏.‏

وكان ديناص خيرًا جميل الطريقة محمود السيرة سافر أمير حاج المحمل مرتين رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله أخو الملك الأشرف برسباي في رابع شهر رجب بالطاعون ودفن بالتربة الأشرفية بعد أن صار من جملة أمراء الألوف أيامًا فإن السلطان كان أنعم عليه في أول قدومه إلى مصر في حدود سنة ثلاثين وثمانمائة بإمرة طبلخاناة دفعة واحدة فدام على ذلك إلى أن توفي الأمير بردبك الأمير آخور المقدم ذكره بالطاعون فأنعم على يشبك هذا بتقدمته فمات هو أيضًا بعد أيام‏.‏

وقد تقدم في أصل ترجمة الملك الأشرف ذكر هذا الطاعون وعظمه وأنه كان ينتقل على الإقطاع الواحد الخمسة والستة من المماليك في مدة يسيرة والكل يموتون بالطاعون انتهى‏.‏

وأظن يشبك أنه كان أسن من السلطان الأشرف فإنه لما استقدمه من بلاده مع جملة أقاربه قام له واعتنقه وعرض عليه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه‏.‏

وكان لا بأس به في أمثاله مع قصر مدة إقامته بالديار المصرية‏.‏